منقول بقلم/ نافذ غنيم
• عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
تعالت أصوات الرفض والاستنكار والتهديد برفع القضايا لمحاكمة الشقيقة مصر بسبب بدئها بإنشاء الحاجز فولاذي داخل أراضيها لمنع عمليات التهريب على طول الحدود الفلسطينية المصرية، وبعيدا عن الانفعال وضجيج التصريحات، لنفكر قليلا فيما وصلت إليه الأمور من حيث المضمون والتداعيات، وفي كيفية تحقيق مصالحنا الوطنية الفلسطينية وسط هذه التطورات المتشابكة التي تفرضها معادلات دولية. وهل من طريق مختصر ومضمون لتحقيق ذلك؟
في البداية لابد من الإشارة إلى أننا كفلسطينيين نتطلع ليس فقط لفتح المعبر الحدودي مع الأشقاء المصريين ووقف العمل بالأنفاق، وإنما لإزالة الحواجز على طول الحدود الفلسطينية المصرية باعتبارنا أشقاء وتربطنا مصالح ومصير مشترك، مع قناعتنا بان حفر الأنفاق بغرض التهريب أمر غير شرعي، ولا يمكن لأي بلد يحترم ذاته وسيادته تجاهل ذلك أو الرضوخ له، وما دفع الحالة الفلسطينية لذلك الضغط الذي تعرض له شعبنا بسبب الحصار الاسرائيلي المجرم على قطاع غزة. ومن الموضوعي القول بان الدوافع لذلك تباينت، وإن كان في ظاهرها توفير البضائع التي يحتاجها المواطنين في قطاع غزة، فقد غلب على كافة العاملين في هذا المجال سعيهم لتكديس الثروات، وتحقيق أقصى قيمة من الأرباح لحساباتهم الخاصة، مما دفع ببعضهم تهريب الممنوعات دون الالتفات لمصلحة المواطن والمجتمع الفلسطيني عملا بقاعدة " الغاية تبرر الوسيلة"، وهذا ما كشفته وأكدته الأحداث المتكررة، إضافة إلى الارتفاع الجنوني في أسعار العديد من البضائع المهربة مقارنة بثمنها الأصلي في مصر، والى جانب ذلك علينا الإقرار بان الحكومة المصرية تجاهلت إلى حد كبير عمليات التهريب عبر حدودها لأسباب عدة، أهمها الإبقاء على متنفس لأهالي قطاع غزة المحاصرين، ولو كانت الحكومة المصرية راغبة في منع هذا النشاط لاستطاعت ذلك خلال أيام معدودة، قد يتساءل البعض، إن كان الأمر كذلك فلماذا الحاجز الفولاذي؟ قبل الإجابة على ذلك دعونا نسلط الضوء على مزيد من الحقائق فلسطينيا، إسرائيليا ومصريا، لتكتمل الصورة، ولنتمكن من الإجابة على ذلك بموضوعية .
فلسطينيا .. صحيح أن عمليات التهريب وفرت لأهالي قطاع غزة العديد من المواد الأساسية التي تعينهم على مواجهة الاثار السلبية للحصار الاسرائيلي، وهذا ما يمكن تفهمه على هذا الصعيد، أما الدوافع الأخرى التي يعتبرها البعض ايجابية وبخاصة فيما يتعلق بتهريب الأسلحة، فهذا أمر يحتاج لوقفة ونقاش طويل اعتقد بان هذه المعالجة لا تتسع لتفاصيله، لكني اعتقد بان الوضع القائم في قطاع غزة والظروف المحيطة به، تؤكد بان هذه الممارسات أضرت بشعبنا وفاقمت معاناته، كما ألحقت الأذى بقضيتنا الوطنية .. على أي حال إن كان ما توفره الأنفاق من بضائع للمواطنين أمر يمكن تفهمه، ففي المقابل هناك عشرات القضايا التي تستوقفنا طويلا تاركة علامات استفهام كبيرة على هذه الظاهرة، ومن بينها ما يتم تهريبه من مواد مخدرة ومسكنة وانعكاس ذلك على حياة الشباب والمجتمع بصورة عامة، وكذلك استمراء البعض لحالة الكسب غير المشروع من خلال التلاعب بالأسعار ارتباطا بالأحداث، وأيضا ما حصدته الأنفاق من أرواح عشرات العاملين فيها دون التفات حقيقي لحقوقهم ولما يعانونه من عمليات استغلال من قبل مشغليهم، وكذلك بروز شرائح اجتماعية ارتبطت مصالحها باقتصاد الأنفاق والتهريب، الأمر الذي كرس واقعا وجد تعبيراته في الحالة الاجتماعية والسياسية الفلسطينية، وبخاصة فيما يتعلق بتعارض مصالح هؤلاء مع إنهاء حالة الانقسام الداخلي، وتحقيق هدف المصالحة الوطنية، لان انجاز ذلك يعني التقدم باتجاه فتح معبر رفح، مما سيفقد الأنفاق مبرر وجودها وسيؤدي إلى إغلاقها .
إلى جانب ذلك فان عمليات تهريب البضائع إلى داخل القطاع ساهمت في تسرب العملات الصعبة لخارج قطاع غزة وبخاصة الدولار الأمريكي، مما تسبب بانقطاع دورة رأس المال، وبخسائر كبيرة في رواتب وتحويلات المواطنين عند تعاملهم مع البنوك الفلسطينية. كما أن سياسة التهريب أدت إلى تغيب آليات الرقابة والشفافية والمسائلة والمحاسبة للوارد من الأموال التي يتم تهريبها بصورة فردية او جماعية لغزة ولا تدخل في حسابات بنكية رسمية، وان كان الأمر كذلك، كيف يمكن ترجمة مبادئ العدالة والنزاهة دون أن تتوفر الآليات لذلك التي تضمن كشف ومحاسبة من يسرق أموال الشعب أو يوظفها لمصالحة الخاصة أي كان؟! كما أن ظاهرة الأنفاق أرست ثقافة غريبة عن الثقافة الوطنية السائدة، تتلخص في السماح بالممنوع وترخيص المحذور المخالف للقانون، والاعتياد على الكسب غير المشروع، وأصبح شائعا في أوساط الشباب التباهي بتناول المواد المسكنة مثل " التريمادول"، المهربة عبر الأنفاق، والتعامل مع ذلك كأمر طبيعي في حياتهم اليومية، والاهم مما سبق أن عمليات التهريب وبسبب ما توفره من مستلزمات لأهالي قطاع غزة، قد اضعف الإحساس لديهم بتعابير وتداعيات الحصار الاسرائيلي، واقتصار ذلك على الإحساس بتقيد حركتهم من والى قطاع غزة، مما تسبب بتحييد الإرادة الشعبية المقاومة للحصار وتداعياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أن عمليات التهريب أحبطت من تصاعد الكارثة الإنسانية التي يفترض أن يخلقها واقع الحصار، لتشعل ضوء احمر أمام العالم للتحرك بصورة جدية ضد الحصار الاسرائيلي والعمل على إنهائه .. لقد انقلبت المعادلة، شعب ضحية يدفع ثمن الحصار وفي المقابل جلاد لا يواجه ضغطا ولا حتى تحملا للأعباء السياسية المترتبة على حصاره وعدوانه !! قد يقول البعض أن هناك حملات من التضامن الدولي قد جرى تنظيمها مع قطاع غزة المحاصر .. هذا صحيح ويجب تقدير هذا الجهد، لكن الأمر وإن أثمر عن بعض المساعدات، فقد بقي محدود وذو طابع إعلامي، ونحن لا نتحدث عن مساعدات إنسانية بالأساس رغم أهميتها، وإنما عن ضغط سياسي دولي فعال ومؤثر على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء حصارها الظالم .
إسرائيليا .. لقد تذرعت إسرائيل بإحكام حصارها على قطاع غزة بسبب اختطاف احد جنودها " شاليط "، وكذلك بالأحداث التي شهدها القطاع والتي تمكنت حركة حماس خلالها السيطرة بالقوة على الأوضاع فيه... لاحظوا بان إسرائيل شددت الحصار بصورة مطلقة على حدودها مع قطاع غزة شرقا وشمالا وغربا، وهي تفرض مناطق أمنية عازلة وجدارا إسمنتيا والكترونيا، بالإضافة إلى جدار ناري فتاك على طول الحدود لا يستطيع احد اختراقه وهذا ما أثبتته الأيام، أما من الجهة الجنوبية حيث الحدود مع مصر، فان تساهلا امنيا تمارسه إسرائيل برغم عمليات قصفها لبعض الأنفاق المنتشرة على الحدود الفلسطينية المصرية، ولو أن إسرائيل أرادت تدمير الأنفاق بصورة كلية لفعلت وهي التي تمتلك تكنولوجيا قادرة على اختراق وتدمير مفاعلات نووية في باطن الأرض محمية بسقوف إسمنتية يبلغ سمكها عدة أمتار، إذا لماذا إسرائيل لا تريد ذلك مع حرصها الدائم على وقف أي إمدادات عسكرية عبر الأنفاق؟ لأنها ببساطة تريد أن تدفع واقع قطاع غزة شيئا فشيئا لأحضان مصر، لكي تتخلى كليا عن مسئوليته خاصة بعدما نفذت خطوتها المحسوبة بالانسحاب من طرف واحد من قطاع غزة، تحقيقا لأهدافها المبيتة بإلحاق قطاع غزة بمصر وتامين احتياجاته من خلالها، ولتكريس واقعه الانقسامي عن باقي أجزاء الوطن الفلسطيني، وهي بذلك تحقق هدفها بعزل الشعب الفلسطيني في مناطق جغرافية متناثرة بتمايز سياسي خاص بكل حالة، لتكون بذلك قد نجحت في إجهاض المشروع الوطني الفلسطيني وفي مقدمته حق شعبنا في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة ذات السيادة في حدود الرابع من حزيران، وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب ذلك وكما أشرت، فان الأنفاق وعمليات التهريب لقطاع غزة قد أزاحت عن كاهل الإسرائيليين العديد من الأعباء وفي مقدمتها الثمن السياسي الذي يجب أن يدفعوه مقابل حصارهم، كما أن ذلك ساعد في تخفيف الضغط عليهم الذي يفترض أن يمارسه المجتمع الدولي على الأقل لدواعي إنسانية، بهدف إنهاء الحصار وفتح كافة المعابر بصورة طبيعية، ونتيجة لذلك فقد أطالت الأنفاق وعمليات التهريب أمد الحصار، وكان الأفضل للمصلحة الوطنية اتخاذ كافة التدابير التي تسرع في كسره وإنهائه .
مصريا .. إن الوقائع تؤكد بان الحكومة المصرية تعاملت بمرونة مع ظاهرة الأنفاق والتهريب على قاعدة أهون الشرين، فكلا الخيارين لم يكنا سهلا على مصر التعامل معهما، فإما أن تتصدى بكل حزم للأنفاق وعمليات التهريب عبر حدودها، لتضع نفسها في موقع من يحاصر الشعب الفلسطيني ويسعى لتجويعه، ، وليستغل البعض ذلك لإثارة حملات التحريض ضدها بهدف تفجير الموقف على حدودها، ودفعها للتصدي لأي محاولات لاختراق الحدود المصرية من قبل الفلسطينيين، وبالتالي توريطها في دم فلسطيني كانت مصر دائما حساسة له، لأنها من دفع الدم والتضحيات لأجل الفلسطينيين. وإما أن تغض النظر عن الأنفاق وعمليات التهريب، لمساعدة شعبنا على مواجهة اثار الحصار الاسرائيلي، وقد عبر الرئيس المصري مبارك عن ذلك بقوله " لن نترك الشعب الفلسطيني يجوع "، كان ذلك برغم إدراك الحكومة المصرية بأن ذلك سيكلفها ثمن سياسي وامني واقتصادي.
سياسيا، أدركت مصر المخطط الاسرائيلي الذي أشرت له سابقا، وهي تجنبت أن تكون طرفا في مؤامرة إجهاض المشروع الوطني الفلسطيني تحت وطأة شعارات إنسانية وعاطفية وأحيانا سياسية مغرضة ، ليسجل عليها التاريخ بأنها قد ساهمت في ذلك، وهذا ما عكسته العديد من المواقف والتصريحات الرسمية المصرية ، كما عملت على أن لا تتحمل فاتورة الحصار الاسرائيلي لقطاع غزة، ليس من جانب التنكر للشعب الفلسطيني والتهرب من مسئولياتها القومية، وإنما من جانب الإصرار على تحميل إسرائيل المسئولية الأساسية والرئيسية لذلك ، وتوريطها أمام العالم فيما اقترفته من جرائم بسبب الحصار، وفي ذات الوقت فقد واجهت وما زالت ضغط أمريكي أوروبي إسرائيلي باتهامها بغض الطرف عن تهريب الأسلحة لقطاع غزة، وبالتالي هي مدانة بسبب عدم قدرتها على كبح الإمدادات " الإرهابية " في المنطقة .
في ذات السياق عمد البعض بتصعيد الهجوم على مصر واتهامها بتشديد الحصار على قطاع غزة، وقد تناسى هؤلاء ما جئت عليه سابقا، وبان هجومهم الأساسي يجب أن يتركز دائما وأبدا ضد الاحتلال الاسرائيلي باعتباره المسئول الأول عن حصار قطاع غزة وتداعياته الخطيرة على كافة المستويات، وكان يتوجب عليهم السعي الدءوب لمواصلة التفاهم والتفهم لموقف مصر وصولا لسياسة مشتركة متفق عليها تراعي متطلبات مواجهة الحصار وأثاره السلبية، وفي ذات الوقت تأخذ بالاعتبار واقع مصر، وكذلك المخطط السياسي العدواني الذي يستهدف شعبنا وقضيتنا، والذي يجب أن لا يغيب للحظة عن مواقف وتوجهات كافة الأطراف الفلسطينية .
امنيا، خلق واقع التهريب مشاكل أمنية متعددة لدى المصرين، وبخاصة فيما يتعلق بتهريب الأسلحة، فقد أدى تهريب الأسلحة عبر الأراضي والحدود المصرية لنشوء "مافيا" تهريب بتركيب إقليمي عربي مصري، والى تسرب عشرات المطلوبين للقضاء في بلدانهم لداخل مصر وعبر حدودها، واستخدام أراضيها لممارسة ما هو غير قانوني، بالإضافة إلى أن ذلك والى جانب مختلف عمليات تهريب البضائع الأخرى، انشأ مراكز قوى جديدة داخل مصر وبخاصة على طول الحدود المصرية حيث تتوفر المناخات الخصبة لتشكيل الجماعات المسلحة التي اغتنت من عمليات التهريب، والتي نظمت أنفسها للدفاع عن مصالحها في وجه الحكومة المركزية والقانون المصري الذي يمنع عمليات التهريب بمختلف أنواعها ، كما أن البعض استغل شعار دعم المقاومة الفلسطينية لتشكيل مجموعات مسلحة هدفها المس بالأمن المصري وبمكانة مصر ، وهذا ما كشفت عنه العديد من الحوادث المتفرقة داخل مصر، وعلى طول الحدود الفلسطينية المصرية .
اقتصاديا، أدت عمليات تهريب البضائع من السوق المصري إلي إرباك الحالة الاقتصادية المصرية بسبب التسريب العشوائي للبضائع، الأمر الذي يتعارض والاعتبارات الاقتصادية الخاصة بمصر، والتي تحتسب ضمنها عمليات التصدير وفق القانون، ولها مردود جمركي تستفيد منه الدولة، إضافة إلى قيام المهربين بشراء وتهريب السلع المدعومة من قبل الحكومة المصرية بهدف تحقيق أقصي قيمة من الأرباح، مما حمل الإنسان المصري تبعات ذلك بسبب ارتفاع الأسعار أو نفاذ بعض السلع أحيانا من الأسواق المصرية .
وفي هذا السياق يجب التساؤل عن دوافع عمليات تهريب المركبات المصرية الحديثة عبر الأنفاق إلى غزة، فإن كان هدف الأنفاق والتهريب توفير الحاجات الأساسية للمواطنين المحاصرين في قطاع غزة، فما الداعي لتهريب هذه المركبات التي يتم سرقتها بطرق مختلفة من داخل مصر؟؟ ألم يعزز ذلك وغيره الجريمة المنظمة داخل المجتمع المصري وتسبب بتداعيات خطرة ؟
قد يقول قائل أن عمليات التهريب أغنت المصرين، هذا صحيح ولكن أي فئة من المصريين؟ بالتأكيد ليس المواطنين العاديين، وإنما شرائح منتفعة ومحددة هي المشاركة في عمليات التهريب ومن يحرسها، وكذلك من يدعمها من قبل بعض الأوساط المتنفذة .
في ضوء هذه التعقيدات، والمصالح المتشابكة والمتعارضة أحيانا، يأتي بناء الحاجز الفولاذي على طول الحدود الفلسطينية المصرية نتيجة منطقية لذلك بغض النظر عن موقفنا نحن الفلسطينيين سواء كنا متفهمين لذلك او معارضين له، وهو أيضا محصلة لقناعة أمريكية أروبية إسرائيلية بان مصر لم تستطيع منع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عمليات التهريب لو اقتصرت على البضائع الأساسية لحاجات المواطنين لما تدخلت هذه الدول لفرض الحاجز الفولاذي، كما علينا الإشارة إلى أن مصلحة مصر قد تقاطعت مع ذلك لتجنب الأضرار التي تسببت فيها عمليات التهريب للمجتمع المصري على كافة المستويات .
هنا علينا أن نرى بُعدا أخر وهو أن مصر التي بذلت جهود مضنية من اجل اتفاق فلسطيني ينهي حالة الانقسام الداخلي ويحقق هدف المصالحة الوطنية لإعادة الوحدة للشعب الفلسطيني ولنظامه السياسي، مستضيفة بذلك عشرات الحوارات الجماعية والثنائية بين حركتي فتح وحماس، هي حريصة بلا شك على أن تكلل جهودها بالنجاح كمصلحة فلسطينية أولا، وكمصلحة مصرية ثانيا باعتبار قطاع غزة ومستقبله يؤثر بصورة مباشرة على الأمن القومي المصري، وهي ترفض بالطبع أن تجهض جهودها بسبب حسابات ومصالح خارجية تتحكم في قرارات البعض .
كما أنها لا تقبل أن يتعامل البعض معها وكأنها فصيل سياسي، أو بفرض ما يتعارض مع مصالحها القومية، فمن الحكمة السياسية أن نراعي نحن الفلسطينيين واقع مصر وظروفها ومصالحها، والعمل على تعزيز القواسم المشتركة التي ترسخ أواصر العلاقة بيننا كجارين تربطهما مصالح مشتركة .
إن تحقيق ذلك لا يمكن أن يأتي بمعزل عن التعامل بموضوعية وحذر مع الظروف المحيطة، ومراعاة مصالح وسياسات الآخرين أثناء النظر والتعامل مع مصالحنا، وبخاصة أمام المحاولات الإسرائيلية الساعية لحرف حالة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، والعربي الاسرائيلي عن مسارها الصحيح . لتبدو قضية الحصار لقطاع غزة وكأنها مشكلة فلسطينية مصرية، فإسرائيل تسعى بكل ثقلها وأدواتها في المنطقة لتكريس واقع الانقسام الفلسطيني، وفي هذا السياق وان بدا المشهد بأنها تحاصر قطاع غزة - والحقيقة كما أسلفت بان حصارها الحقيقي يستهدف الحدود والمعابر معها وليس مع مصر - فإنها تسعى لان تفرض على مصر وعلينا سياسة الأمر الواقع، عبر دفع مصر لتطبيع العلاقات مع قطاع غزة أي مع سلطة حركة حماس من خلال فتح المعبر ليصبح واقع الانقسام والانفصال معترف به، ومرسخ على المستويين الجغرافي والسياسي، واعتقد بان ما يؤخر ذلك عدم الانتهاء من مشكلة الجندي المخطوف "شاليط" .
إن التصدي لما هو قائم وتجنب أثاره السلبية قدر الإمكان، يجب أن يدفعنا نحن الفلسطينيين لرؤية ما هو وطني شامل وليس حزبي ضيق، ومراجعة الطريقة التي يجرى التعامل بها مع أوضاعنا الداخلية ومع المحيط الذي تحكمنا قواعده ومستلزماته، وفي مقدمة ذلك إعادة الاعتبار للنظام السياسي وللمؤسسات الشرعية الفلسطينية على قاعدة الوحدة وإنهاء حالة الانقسام الكارثي، والتخلي عن نهج المغامرة أو الاستسلام للإملاءات الخارجية، وإعادة قطار الصراع إلى سكته الصحيحة من خلال توحيد وتعزيز النضال المشترك ضد الاحتلال الاسرائيلي وسياسته العدوانية وفق إستراتيجية نضالية موحدة تحقق المصالح الوطنية العليا لشعبنا .
إن التقدم على طريق المصالحة الفلسطينية من خلال حسم حركة حماس لترددها والتوقيع على ورقة المصالحة المصرية التي وقعتها حركة فتح، وأعلنت كافة الفصائل المشاركة في الحوار استعدادها للتوقيع عليها برغم ملاحظاتها على بعض بنودها، هو اقصر الطرق للبدء بمعالجة أزماتنا، وفي المقدمة منها مواجهة الحصار الاسرائيلي وكسره بفتح معبر رفح الحدودي، وهذا ما أكدته مصر في العديد من المواقف ، وفي حالة تحقيق ذلك يصبح الجدار الفولاذي لا معنى له في حساباتنا كشعب وكمصلحة وطنية فلسطينية، أما بالنسبة للمنتفعين من الحالة القائمة فبالتأكيد ستكون لهم حسابات أخرى نظرا لارتباط مصالحهم بتهريب الأموال والكسب غير المشروع لتكديس ثرواتهم حتى لو كان ذلك على حساب استمرار معاناة شعبنا ومستقبل قضيته .
إذا ما تحقق ذلك اعتقد بان التوازن السياسي سيحكم مواقف وتصريحات البعض، فبدل التفكير برفع قضية على مصر التي تقيم حاجزا فولاذيا في أراضيها لمنع التهريب، يجب التفكير برفع قضية دولية على حكومة الاحتلال الاسرائيلي التي تحاصر شعبنا في قطاع غزة، وتقيم المناطق العازلة على طول حدوده وعلى حساب أراضيه، وتنصب جدارا ناريا قاتلا يفتك بأي كائن يفكر بالاقتراب من الحدود الإسرائيلية .
بقلم/ نافذ غنيم
• عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق