04 يناير 2011

أرامل النت






انْسحَب مِن سريرِ زوجته متسللاً بعدَ منتصَف اللَّيْل،

تعرِف أين يذهب، لَمَّا اطمئنَّتْ أنَّه استقرَّ أمامَ حاسوبه،

وبدأ في البحْث عنها قامَتْ.


أخرجَتْ حاسوبها من مكْمَنه الذي أعدَّتْه له بعيدًا عن الأعيُن،

 هو في غرْفة الصالون أمامَ (اللاب توب)،

وهي في سَريرها أمامَ جهازها، لم يكن هناك ولا هنا مِن ضوْء

 سوى ضوءِ شاشة الجهازين المنعكِس كلٌّ منها على وجهِ صاحِبه،

بدأ قلبُه في الخَفَقان عندما ظهَر تعريفها أمامَه، بادرها بشغَف:


- تأخَّرتِ يا حبيبتي، ما عدتُ قادرًا على غيابك.


- ولا أنا.


- اشتقتُ إليك، لماذا تَرفُضين أن أراكِ بالكاميرا، أتمنَّى رُؤيتَك.


- قلت لك: لن تندمَ حينما تراني،

ستكتشِفُ أنَّني اختيارُك لو عادَ بكَ الزمن لذهبتَ لخِطبتي.


- أإلى هذا الحدِّ أنتَ جميلة؟!


- نعم، وما زلتُ جميلة، لكنَّ زَوْجي يتجاهَلُني.


- إنَّه غبيٌّ.


- بكلِّ تأكيد، جعَلَني أرملةً رغمَ وجوده.


- دَعينا منه، وهيا نُفرغ طاقاتَنا المختزَنة بسبب عدمِ التوفيق في زِيجاتنا.


- ولا يُقدِّر جهْدي مع أطفالي الثلاثة.


- لا تُذكِّريني بأطفالي الثلاثة، فهم مسؤوليَّة وهَمٌّ كبير.


- انسَ الهمَّ ما دمتَ معي، الآن هيا إلى الحبِّ.


- أعْتَرِف أنَّك غير كل النِّساء،

أنتِ تعرفين كيف تَجذبينني إليك،

وتَجعلينني متعلقًا بكِ إلى حدِّ الهوس.


- ألاَ تَجْذبك زَوجتُك؟!


- لا، هي ليستْ في رِقَّتك ودَلعك،

 لكن أغضبُ منك كثيرًا في نهاية كل مكالمة

حين ترفُضين أن أُحقِّق معكِ أحلامي.


- إنِّني أذنب بالتحدُّث معك، فأقِف عند حدٍّ أُطيقه،

أكثر مِن هذا عبءٌ على ضميري.


- يا سَيِّدتي جَرِّبي - ولو مرَّة -ستشعُرين بسعادةٍ كبيرة،

 الحب على الإنترنت جذَّاب جدًّا.


- أنتَ جربْتَه إذًا..؟!


- حدَث ولكنَّك نهايةُ المطاف، وأتمنَّى أن أتزوَّجك.


- ألاَ تخشَى إذا عرفْتَني في الحقيقة أكون غيرَ ما أنا في الخيال؟


- أبدًا، أبدًا، أنا متأكِّد أنَّك في الحقيقة أجملُ مِن الخيال.


- وأنا أَعِدُك ألاَّ أخذلَك.


- إذًا؛ ستُرينني نفْسك بالكاميرا.


- نعم، وسأُقابلك بعدَما أحوز إعجابَك.


- هيَّا الآن.


- ليس الآن، غدًا.


- لماذا ليس الآن، أنا متشوِّق جدًّا.


- كي أستعدَّ، لا أُخفي عليك، سأذْهَب إلى الكوافير،

كيف تحبُّ أن ترَى لوْنَ شعري؟


- هل هو أصْفَر؟


- سأجْعَله أصْفر، وماذا أيضًا؟


- وقصيرًا مثلَ الأجانب.


- غريب! الرِّجال يُفضِّلون الشعرَ الطويل.


- ألم أَقُلْ: إنَّك مختلفة.


- آه فِعْلاً، لذلك اختلفت أنت أيضًا.


- حتَّى أليق بكِ يا حلوةَ الحلوات.


- وماذا تُريدني أن أَلْبَس؟


- طبعًا ثوبًا مكشوفًا، وقصيرًا، أُريد أن أرَى كلَّ مفاتِنِك.


- اعتبِرْني ارتديتُه.


- حَركتِ كلَّ مشاعري، ركِّزي معي قليلاً.


- لا، أنت الآن خَطَر، سلام، إلى اللِّقاء غدًا.


- انتظري، انتظري، أينَ أذهب الآن؟!


- إلى زوْجتِك.


أغلقتِ الحاسوب، وبِسُرْعة وضعتْه تحتَ السرير،

ونهضَتْ خارجةً من الغُرْفة، اصطدمتْ به، سألَها:


- ماذا أيْقَظك؟


- أذهبُ إلى الحمَّام.


- حسنًا سأنتظرك.


تركتْه ليومين يبْحَث عنها، يومًا ذهبت إلى محلاَّت الأزياء

تبتاع ثوبًا مكشوفًا وقصيرًا بشكلٍ لم يعرْفه في ملابسها،

واليوم الثاني أمْضتْه عندَ الكوافير تقصُّ شعرَها وتصبغُه أصفر.


في اللَّيْل عندما دخَل غرفتَه التفت ناحيةَ العِطر الفوَّاح فتسمَّر أمامَها!


وهي في شَعْرها الأصْفَر وثَوْبها الرُّوز، تَردِّد قليلاً قبل أن يسألَها:

 هل قصصتِ شعْرَك؟!


- نعم، وصبغتُه، ما رأيُك؟


- كيف تَقصِّين شعرَك دون إذني؛ ألَمْ أقلْ لك:

إنَّني أُفضِّل الشَّعْر الطويل.


- سيطول مَرَّةً أخرى، تغيير، أردتُ أن أكونَ مِثلَ الأجانب.


- وما هذا الثوبُ الفاضِح؟!


- وهل يَراني به أحدٌ غيرك؟! قل بالله عليك: أليس جميلاً؟!


دارَ حوْلَها، وقال:


- بلى، جميل، تبسَّم، وقال:

تذكرتُ أنَّ لديَّ شغلاً على الكمبيوتر،

سأقوم به، ثم أنام، تُصْبحين على خيْر.


خرَج مِنَ الغُرْفة مسرعًا إلى حاسوبه،

فتَحَه بعصبيَّة وتوتُّر، وهو يُحدِّث نفْسَه:

أين ذهبتْ هذه!!، يا الله، صاحَ، لقدْ وجدَها!


- أيْنَ أنتِ يا حبيبتي.


- كنتُ أستعدُّ لك، فعلتُ كما اتفقْنا.


- يَعْني حانتِ اللحظة التي سأراكِ فيها.


- نَعمْ، بكلِّ تأكيد، افتحِ الكاميرا الآن.


تسمَّر أمامَ الشاشة، ماذا أرَى،

جرَى إلى غُرْفَتِه؟! رآها في سَريرِها أمام حسوبها

بشعْرها الأصفر، وثوْبها الرُّوز، وتفوق عنِ الأُخرى

بعِطرها الفوَّاح.






03 يناير 2011

انطفأ النور.. فمضى





انطفأ النور، تعانَق العَقْرَبان، لكنَّه قَبل أن يتلاشَى، ضمَّني بشِدَّة،

 شعُرتُ بأنَّه يتحوَّل إلى شعاع يذوب في لحظة هي العمر،


فيها مشاعرُ العام الذي يلمُّ عباءتَه، والأعوام قبْلَه، عادَ النور يتلألأ،


 لم أجِدْه، لم يكن هو، ولم أكن أنا، صِرْنا جسدًا واحدًا ونبضًا واحدًا.
منذ الآن لن ننفصلَ أبدًا، ولن نفترق أبدًا.هذا صوتُه مِن الأفق رددتُ عليه بمشاعري:



• رغمَ أنَّنا لن نلتقيَ أبدًا.. أبدًا.أنتَ عامٌ مضَى، صرتَ في لحظةٍ ذكرياتٍ حلوةً، مشاعِر
 تغمُرني،

صرتَ بطعم (الكوكتيل)؛


 فيه كلُّ الفواكه ولا تميز إحداها، صِرتَ بلون الطَّيف تتداخَل

ألوانُه، فتشف ولا تحدد مداها،


صرتَ، وصِرتَ، حتى كلمة "صرت" لها طعمٌ حلوٌ

غير معناها بيْن الكلمات،


فلم تحصُل على هذا اللَّقَب إلاَّ بعْدَ معاناتك فينا ومعاناتنا فيك.
كلَّ يوم في العام الجديد أستطيع القول:

"حدَث في مِثْل هذا اليوم"،


وهى حِيلتي كي أتذكَّرَك، أستطيع أن أحسَّ بكَ إحساسًا أكثرَ ودًّا ووعيًا،


وأنْ أرى بعيونك رؤيةً أكثرَ نُضجًا ووضوحًا،

وفي داخلي مزيجٌ غريب بين فِعل المضيِّ وفعل الحضور،



يتولَّد منهما فعلٌ جديد ليس مِن أفعال اللُّغة؛

بل مِن أفعال القلوب، فعل تَستحلب طعمَه،

وتَستنشق عبيرَه، وتَلمس دِفئَه.
عام جديد، أين القديم إذًا حتى أوليَه ظهري،

أوقفْني على عتبتِه، خُذ بيدي تلمس طرف أنامله،



لو كانتْ له أنملة، انشرْ في المكان رائحتَه؛

 لكي أميِّزَ فرق القديم مِن الجديد، لو كان جديدًا!
عام مضى، صحيح غاب، ذاب في السرمَدِ، لكنَّه أخْرَج لنا عصيره؛

رحيقًا نشرب، وعبيرًا ننتشي،


وحُلمًا نضَج، كل ما خلفه ماض في تحديد ملامحه.
أيُّها العام الذي يُسمُّونه "مضَى"، لِمَ وافقتَ أن تُنعتَ بهذا الاسم؟!

لمَ ترضَى باسم يبخسُكَ حقَّك، يتجاهلونَ مِن خلاله دورك؟
هل يُبغضك مَن أضفتَ له خطًّا على وجهِه؟

هل لأنَّك أضأتَ لهم ليل رُؤوسهم بنورِك الفِضي؟


هل لأنَّك أبكيتَ كثيرين على أعزائهم؟

وفرقت بين محبِّين خدَعَهم الوهمُ طويلاً؟


فأنتَ أيضًا منحتَهم حيوات جديدة، وأقمتَ لهم أفراحًا عديدة،

وجمعتَ بين محبِّين آخرين،


وثبَّتَّ وقفةَ طِفل كانتْ مُرتَجَّة،

وشددتَ ساعِد فتًى كانتْ ضعيفة،

وكم أقمتَ مِن بنايات شاهقات،


وكم أزهَرْتَ مِن نباتات، أبقيتَ لنا الأفراحَ وذاب الحزن

في كاسات الأمَل، وصار ذكريات.
أنت لم تأتِ بجَعْبة فارِغة، ولم تمضِ بلا دور،

الصاخبون فقط مَن لا يحسُّون بدبيبِ أقدامِك


وهو يدقُّ في رؤوسهم كالأجراس،

يحاولون إسكاتَه بدقِّهم الطُّبول؛ كي ترحل عنهم،

ويظنُّون في العام الجديد الخيرَ، وهم على حالهم كُسالَى،

والأولى بهم الوقوف أمامَ مِرآة أنفسهم في نظرةٍ للتأمُّل وحِساب للنفس.
لا أغترُّ برحِيلك الهادئ، والتسلُّل الناعِم للقادم بعدَك،

 الجالِس فوق مقعدِك بعدَ أن منحتَه الرقم التالي لك،


بل أكاد أسمعُكَ وأنت توصيه:

(هذه المرة الألفين وأحَدَ عشَر عامًا)

التي يُسمَّى فيها شهر يناير،

فاجعلْ بدايتك خيرًا للجميع، وأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه،

علِّم الناس العدلَ والمحبَّة، فالبُخل ليس مِن صفاتك،


 اجعلْ نسيمك واحة للجميع، وخيوط قمرِك تُلوِّن أرواحهم،

وابعثْ دفءَ شمْسِك ساريًا بين المتفائلين،


حتى الذين يُودِّعونني مهلِّلين لا تَحقِد عليهم مِن الآن؛

 تحسُّبًا للحظة رحيلِك،


هي محاولاتٌ يائِسة للتعجيلِ بالجديد.
حسنًا، ما دُمتَ عزمت على الرحيل، فنحن نلوِّح لك،

 نَمْ قريرَ العين بجوار السِّنين، نحن على عهدِك ماضون.