انْسحَب مِن سريرِ زوجته متسللاً بعدَ منتصَف اللَّيْل،
تعرِف أين يذهب، لَمَّا اطمئنَّتْ أنَّه استقرَّ أمامَ حاسوبه،
وبدأ في البحْث عنها قامَتْ.
أخرجَتْ حاسوبها من مكْمَنه الذي أعدَّتْه له بعيدًا عن الأعيُن،
هو في غرْفة الصالون أمامَ (اللاب توب)،
وهي في سَريرها أمامَ جهازها، لم يكن هناك ولا هنا مِن ضوْء
سوى ضوءِ شاشة الجهازين المنعكِس كلٌّ منها على وجهِ صاحِبه،
بدأ قلبُه في الخَفَقان عندما ظهَر تعريفها أمامَه، بادرها بشغَف:
- تأخَّرتِ يا حبيبتي، ما عدتُ قادرًا على غيابك.
- ولا أنا.
- اشتقتُ إليك، لماذا تَرفُضين أن أراكِ بالكاميرا، أتمنَّى رُؤيتَك.
- قلت لك: لن تندمَ حينما تراني،
ستكتشِفُ أنَّني اختيارُك لو عادَ بكَ الزمن لذهبتَ لخِطبتي.
- أإلى هذا الحدِّ أنتَ جميلة؟!
- نعم، وما زلتُ جميلة، لكنَّ زَوْجي يتجاهَلُني.
- إنَّه غبيٌّ.
- بكلِّ تأكيد، جعَلَني أرملةً رغمَ وجوده.
- دَعينا منه، وهيا نُفرغ طاقاتَنا المختزَنة بسبب عدمِ التوفيق في زِيجاتنا.
- ولا يُقدِّر جهْدي مع أطفالي الثلاثة.
- لا تُذكِّريني بأطفالي الثلاثة، فهم مسؤوليَّة وهَمٌّ كبير.
- انسَ الهمَّ ما دمتَ معي، الآن هيا إلى الحبِّ.
- أعْتَرِف أنَّك غير كل النِّساء،
أنتِ تعرفين كيف تَجذبينني إليك،
وتَجعلينني متعلقًا بكِ إلى حدِّ الهوس.
- ألاَ تَجْذبك زَوجتُك؟!
- لا، هي ليستْ في رِقَّتك ودَلعك،
لكن أغضبُ منك كثيرًا في نهاية كل مكالمة
حين ترفُضين أن أُحقِّق معكِ أحلامي.
- إنِّني أذنب بالتحدُّث معك، فأقِف عند حدٍّ أُطيقه،
أكثر مِن هذا عبءٌ على ضميري.
- يا سَيِّدتي جَرِّبي - ولو مرَّة -ستشعُرين بسعادةٍ كبيرة،
الحب على الإنترنت جذَّاب جدًّا.
- أنتَ جربْتَه إذًا..؟!
- حدَث ولكنَّك نهايةُ المطاف، وأتمنَّى أن أتزوَّجك.
- ألاَ تخشَى إذا عرفْتَني في الحقيقة أكون غيرَ ما أنا في الخيال؟
- أبدًا، أبدًا، أنا متأكِّد أنَّك في الحقيقة أجملُ مِن الخيال.
- وأنا أَعِدُك ألاَّ أخذلَك.
- إذًا؛ ستُرينني نفْسك بالكاميرا.
- نعم، وسأُقابلك بعدَما أحوز إعجابَك.
- هيَّا الآن.
- ليس الآن، غدًا.
- لماذا ليس الآن، أنا متشوِّق جدًّا.
- كي أستعدَّ، لا أُخفي عليك، سأذْهَب إلى الكوافير،
كيف تحبُّ أن ترَى لوْنَ شعري؟
- هل هو أصْفَر؟
- سأجْعَله أصْفر، وماذا أيضًا؟
- وقصيرًا مثلَ الأجانب.
- غريب! الرِّجال يُفضِّلون الشعرَ الطويل.
- ألم أَقُلْ: إنَّك مختلفة.
- آه فِعْلاً، لذلك اختلفت أنت أيضًا.
- حتَّى أليق بكِ يا حلوةَ الحلوات.
- وماذا تُريدني أن أَلْبَس؟
- طبعًا ثوبًا مكشوفًا، وقصيرًا، أُريد أن أرَى كلَّ مفاتِنِك.
- اعتبِرْني ارتديتُه.
- حَركتِ كلَّ مشاعري، ركِّزي معي قليلاً.
- لا، أنت الآن خَطَر، سلام، إلى اللِّقاء غدًا.
- انتظري، انتظري، أينَ أذهب الآن؟!
- إلى زوْجتِك.
أغلقتِ الحاسوب، وبِسُرْعة وضعتْه تحتَ السرير،
ونهضَتْ خارجةً من الغُرْفة، اصطدمتْ به، سألَها:
- ماذا أيْقَظك؟
- أذهبُ إلى الحمَّام.
- حسنًا سأنتظرك.
تركتْه ليومين يبْحَث عنها، يومًا ذهبت إلى محلاَّت الأزياء
تبتاع ثوبًا مكشوفًا وقصيرًا بشكلٍ لم يعرْفه في ملابسها،
واليوم الثاني أمْضتْه عندَ الكوافير تقصُّ شعرَها وتصبغُه أصفر.
في اللَّيْل عندما دخَل غرفتَه التفت ناحيةَ العِطر الفوَّاح فتسمَّر أمامَها!
وهي في شَعْرها الأصْفَر وثَوْبها الرُّوز، تَردِّد قليلاً قبل أن يسألَها:
هل قصصتِ شعْرَك؟!
- نعم، وصبغتُه، ما رأيُك؟
- كيف تَقصِّين شعرَك دون إذني؛ ألَمْ أقلْ لك:
إنَّني أُفضِّل الشَّعْر الطويل.
- سيطول مَرَّةً أخرى، تغيير، أردتُ أن أكونَ مِثلَ الأجانب.
- وما هذا الثوبُ الفاضِح؟!
- وهل يَراني به أحدٌ غيرك؟! قل بالله عليك: أليس جميلاً؟!
دارَ حوْلَها، وقال:
- بلى، جميل، تبسَّم، وقال:
تذكرتُ أنَّ لديَّ شغلاً على الكمبيوتر،
سأقوم به، ثم أنام، تُصْبحين على خيْر.
خرَج مِنَ الغُرْفة مسرعًا إلى حاسوبه،
فتَحَه بعصبيَّة وتوتُّر، وهو يُحدِّث نفْسَه:
أين ذهبتْ هذه!!، يا الله، صاحَ، لقدْ وجدَها!
- أيْنَ أنتِ يا حبيبتي.
- كنتُ أستعدُّ لك، فعلتُ كما اتفقْنا.
- يَعْني حانتِ اللحظة التي سأراكِ فيها.
- نَعمْ، بكلِّ تأكيد، افتحِ الكاميرا الآن.
تسمَّر أمامَ الشاشة، ماذا أرَى،
جرَى إلى غُرْفَتِه؟! رآها في سَريرِها أمام حسوبها
بشعْرها الأصفر، وثوْبها الرُّوز، وتفوق عنِ الأُخرى
بعِطرها الفوَّاح.