03 يناير 2011

انطفأ النور.. فمضى





انطفأ النور، تعانَق العَقْرَبان، لكنَّه قَبل أن يتلاشَى، ضمَّني بشِدَّة،

 شعُرتُ بأنَّه يتحوَّل إلى شعاع يذوب في لحظة هي العمر،


فيها مشاعرُ العام الذي يلمُّ عباءتَه، والأعوام قبْلَه، عادَ النور يتلألأ،


 لم أجِدْه، لم يكن هو، ولم أكن أنا، صِرْنا جسدًا واحدًا ونبضًا واحدًا.
منذ الآن لن ننفصلَ أبدًا، ولن نفترق أبدًا.هذا صوتُه مِن الأفق رددتُ عليه بمشاعري:



• رغمَ أنَّنا لن نلتقيَ أبدًا.. أبدًا.أنتَ عامٌ مضَى، صرتَ في لحظةٍ ذكرياتٍ حلوةً، مشاعِر
 تغمُرني،

صرتَ بطعم (الكوكتيل)؛


 فيه كلُّ الفواكه ولا تميز إحداها، صِرتَ بلون الطَّيف تتداخَل

ألوانُه، فتشف ولا تحدد مداها،


صرتَ، وصِرتَ، حتى كلمة "صرت" لها طعمٌ حلوٌ

غير معناها بيْن الكلمات،


فلم تحصُل على هذا اللَّقَب إلاَّ بعْدَ معاناتك فينا ومعاناتنا فيك.
كلَّ يوم في العام الجديد أستطيع القول:

"حدَث في مِثْل هذا اليوم"،


وهى حِيلتي كي أتذكَّرَك، أستطيع أن أحسَّ بكَ إحساسًا أكثرَ ودًّا ووعيًا،


وأنْ أرى بعيونك رؤيةً أكثرَ نُضجًا ووضوحًا،

وفي داخلي مزيجٌ غريب بين فِعل المضيِّ وفعل الحضور،



يتولَّد منهما فعلٌ جديد ليس مِن أفعال اللُّغة؛

بل مِن أفعال القلوب، فعل تَستحلب طعمَه،

وتَستنشق عبيرَه، وتَلمس دِفئَه.
عام جديد، أين القديم إذًا حتى أوليَه ظهري،

أوقفْني على عتبتِه، خُذ بيدي تلمس طرف أنامله،



لو كانتْ له أنملة، انشرْ في المكان رائحتَه؛

 لكي أميِّزَ فرق القديم مِن الجديد، لو كان جديدًا!
عام مضى، صحيح غاب، ذاب في السرمَدِ، لكنَّه أخْرَج لنا عصيره؛

رحيقًا نشرب، وعبيرًا ننتشي،


وحُلمًا نضَج، كل ما خلفه ماض في تحديد ملامحه.
أيُّها العام الذي يُسمُّونه "مضَى"، لِمَ وافقتَ أن تُنعتَ بهذا الاسم؟!

لمَ ترضَى باسم يبخسُكَ حقَّك، يتجاهلونَ مِن خلاله دورك؟
هل يُبغضك مَن أضفتَ له خطًّا على وجهِه؟

هل لأنَّك أضأتَ لهم ليل رُؤوسهم بنورِك الفِضي؟


هل لأنَّك أبكيتَ كثيرين على أعزائهم؟

وفرقت بين محبِّين خدَعَهم الوهمُ طويلاً؟


فأنتَ أيضًا منحتَهم حيوات جديدة، وأقمتَ لهم أفراحًا عديدة،

وجمعتَ بين محبِّين آخرين،


وثبَّتَّ وقفةَ طِفل كانتْ مُرتَجَّة،

وشددتَ ساعِد فتًى كانتْ ضعيفة،

وكم أقمتَ مِن بنايات شاهقات،


وكم أزهَرْتَ مِن نباتات، أبقيتَ لنا الأفراحَ وذاب الحزن

في كاسات الأمَل، وصار ذكريات.
أنت لم تأتِ بجَعْبة فارِغة، ولم تمضِ بلا دور،

الصاخبون فقط مَن لا يحسُّون بدبيبِ أقدامِك


وهو يدقُّ في رؤوسهم كالأجراس،

يحاولون إسكاتَه بدقِّهم الطُّبول؛ كي ترحل عنهم،

ويظنُّون في العام الجديد الخيرَ، وهم على حالهم كُسالَى،

والأولى بهم الوقوف أمامَ مِرآة أنفسهم في نظرةٍ للتأمُّل وحِساب للنفس.
لا أغترُّ برحِيلك الهادئ، والتسلُّل الناعِم للقادم بعدَك،

 الجالِس فوق مقعدِك بعدَ أن منحتَه الرقم التالي لك،


بل أكاد أسمعُكَ وأنت توصيه:

(هذه المرة الألفين وأحَدَ عشَر عامًا)

التي يُسمَّى فيها شهر يناير،

فاجعلْ بدايتك خيرًا للجميع، وأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه،

علِّم الناس العدلَ والمحبَّة، فالبُخل ليس مِن صفاتك،


 اجعلْ نسيمك واحة للجميع، وخيوط قمرِك تُلوِّن أرواحهم،

وابعثْ دفءَ شمْسِك ساريًا بين المتفائلين،


حتى الذين يُودِّعونني مهلِّلين لا تَحقِد عليهم مِن الآن؛

 تحسُّبًا للحظة رحيلِك،


هي محاولاتٌ يائِسة للتعجيلِ بالجديد.
حسنًا، ما دُمتَ عزمت على الرحيل، فنحن نلوِّح لك،

 نَمْ قريرَ العين بجوار السِّنين، نحن على عهدِك ماضون.

هناك تعليقان (2):

د. محمد فتحي الحريري يقول...

بـــــــــــــوح رقيق وجميل جدا
ذكرتِـني سيدتي بقصيدة نازك الملائكة رحمها الله بعنوان :
" صلاة للعالم الجديد "

ودي واحترامي مولاتي . وفقكم الله ....

د. محمد فتحي الحريري يقول...

عفوا
القصيدة النازكية :
" صلاة للعام الجديد "
وليس للعالم
شكرا محددا