كان ياما كان في سالف العصر والأوان "حكاية" تراثية منتشرة
في كل البلاد الناطقة بالضاد، وغير الضاد، عربية وإفرنجية:
أن هناك شخصًا يُدعى "علي بابا".. في الحكاية طيب وكريم،
وله أخ يُدعى "قاسم"، شرِّير ولئيم.. هذا الكريم "علي بابا"
وقع على مغارة لعصابة فيها من الذهب والمَرْجان ما يحيِّر
عقل الإنسان؛ لكن "علي بابا" القنوع غرف منه وحمل
ما يستطيع كتفُه أن يحمل، واكتفى، وحمد ربَّه وشكر، وقال:
هذا يكفيني من القدر، وبنى له بيتًا محترمًا، ورضي بقليل
من الخدم، وعاش في سعادة وزيادة، يشكر الله، ويكثر من العباده.
لكنَّ قاسمًا الشرِّير اتَّفق مع رئيس العصابة صاحبة المغارة
ضد أخيه؛ حسدًا وغَيْرةً ومرارة، وعملوا حيلة: أن يضعوا
كل "حرامي" في قدر كبير مع سيفه المسنون، ويدَّعون
أنها قدور عسل وزيت مضمون.. وكان عدد القدور أربعين،
ونزل رئيسهم وقاسم في ضيافة "علي بابا" ملثَّمين، والقدور
كانت في فناء البيت، والإشارة هي "الصفَّارة".
أراد الله أن يردَّ على الخائنين الكيد، وتكتشف الجارية الحيلة،
فاستعملت العقل واليد، بأن وضعت على فم كل قِدْرة الحجر،
وكفت عن سيدها الخبر، وخلّصت "علي بابا" من شر مستطر.
*****
أما ما كان في حاضر العصر والأوان: أنه تم استنساخ من قاسم الشرير،
بدل الواحد حوالي اثنين وعشرين، وبدل الأربعين "حرامي"
مئات وألوف وملايين، وحيلتهم هذه المرة امتلاك الدول
والشعوب، مهما تجمَّع عليهم من الذنوب.
وأتحفونا بأسماء تملأ العين؛
كلها مباركة وصالحة وزين وبشارة ومعمَّرة،
والحقيقة الحقيقة لا أكثر كلهم قاسم مشترك مع قاسم الشرير وأكثر.
كل قاسم رأس دولة ينهب منها ولا يشبع، ويكدس خارجها
ولا يقنع، وعيَّن أذنابه الملاعين في كل زاوية وحائط مكين،
فتحكّموا في العباد، ونشروا الفساد، وزاد الكساد، وخربت الذمم،
وجحد الفؤاد، فساءت البلاد ، وتطاولوا في البنيان، وقلَّدوا
"فرعون ذي الأوتاد"، وقد طال بهم العهد، فنسوا ما ينالهم
من الوعد، وظنوا أنهم في مأمن من الظنون، وأنهم كإبليس مُنْظَرون.
فأكثروا من البطش و"التلطيش" في العباد النقية، وقيَّدوا
المعاكس، وشتَّتوا المشاكس، وأخرسوا المظلوم عن حقِّه
المعدوم، وزاد بطشهم وتدميرهم، وامتلأت سجونهم بالمعتقلين بلا قضية.
ولما فسدت الأرض، وظنوا أنهم قادرون عليها، أتاها أمر الله
بثورة فتيَّة، ثم ثورات وثورات، تطيح بالرؤوس والأجناد،
وهم يقاومون في عناد وجسارة، مذهولين من تلك العبارة،
فسلَّطوا المياه القوية على المصلِّين، والغازات المُسيلة على
الرافضين، وضربوا بالقنابل والرصاص الحي في أعين
الصامدين، وصالوا فيها وجالوا، (وجابوا الصخر بالواد)، ومالوا.
يا مغيثُ، يا الله يا مُعين.
وبعد أخذ ورد، وطول صبر وصدّ، فرَّ من فر منهم لا منَّا،
وزاغ من زاغ منهم لا منا،
فطاردتهم الجموع الأبيَّة في عقر دورهم العفيَّة، فأجلَوهم عنها،
حتى سقط كبيرهم، ولحقه ربيبُه خائفًا مذعورا،وكان بالإخافة
والنفور مأمورا، فسقط مُلْكهم الواحد بعد الواحد، ورأينا فيهم
عجائب قدرة الواحد،
وما كانوا يظنون أنهم إلى معاد، وتناسوا (إرم ذات العماد)،
(وفرعون ذي الأوتاد)، والأصفاد، وامتلأت بهم سجون البلاد.
والغريب الغريب أنهم لا يتَّعظون، ومن السابقين لا يعتبرون،
وليس لهم رأى ولا مشورة، في مشهد أو نصح أو صورة،
(كأنهم خشب مسندة)، يركبون قطار المماطلة، يمرُّون به كل
محطات المناورة، وينزلون في ذات المحطة المقدَّرة، يصرخون بالكذب و"المنظرة".
فيتمسك الواحد منهم بالكرسي لكي يحميه، ويستعين بالأذناب
من شر ما فيه، وظن المسكين الذي بالله لا يستعين، أنه الغالب
المكين بفضل من حوله من عبيد وسلاح عتيد، فإذا بهم أفراخ
مذعورة، من هبة سائر المعمورة، وتركوا ما جمعوا من قصور،
"كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ
كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ"، وهم يتطايرون كالذباب في الهواء،
والكرسي انخلعت يده والساق من خلاف، وما عاد يصلح للإيواء..
إلى هنا سكت الكلام يا سادة ياكرام.
هناك 4 تعليقات:
بسم الله الرحمن الرحيم
سلمت يداكى واتفق معك فيما ذكرتى ... وصدق المثل القائل السلطة مفسدة والكرسى يضيع الدين والاخلاق...
للاسف حكام العرب لم يفكروا فى شعوبهم بل خططوا ان الدولة ومقدراتها لهم ولاولادهموزمرتهم الفاسدة ولمؤامراتهم ... قاتلهم الله
اللهم انصر الاسلام والمسلمين فى كل مكان
مع بالغ تقديرى
زينب خليل عودة
فلسطين - غزة
أهلا بك زينب حبيبتي
نورت المدونة ولا أريدك أن تخرجي منها
شكرا لك وودي
سيدتي
بارك الله بهذا القلم النظيف وادعو الله تعالى ان يؤتي أكُله !
هم هوامير حرامية بلطجية يسرقون البسمة والامل
يسرقون جلسات الانس ولحظات الخير.
تافهون همل رعاع اوباش بخونون الامين وياتمنون الخائن الرديء ،
والله ناصر الامة والشعب عايهم !
اكرر الشكر والتجلة والله الموفق الناصر .
د.محمد فتحي الحريري
ما أنضر صفحتك يا أستاذتنا نادية الكيلانى ! لقد أعدتنا لزمان رصافة المعانى ، وعبقرية المبانى ، واستنهضت عزائمالشباب ؛ كى يأخذوا بالأسباب ، ويستعيدوا مفاخر الأجداد ، ويصونوا حمى البلاد ، وجددت للوعى الإبداعى روعة التراث ، وأنلته ثلة من الغياث . ما أروعك ، وما أبدعك . لحضرتك التحية يا أختنا العبقرية ، وأهدى حضرتك مدخلا لموقعى .http://alqashat.web.officelive.com/wael.aspx محمد سليم محمد على حسين خريبة ( القشاط )
إرسال تعليق