جاءت الانتفاضة المصرية عفوية من شباب لا هدف له سوى الاصلاح
جاءت نتيجة عهود من الفساد الذي يفوق قدرة العقل على التخيل.
جاءت دون تأييد أو حماية من النخب الحزبية والسياسية، ودون إذن مسبق من أي طرف داخلي أو خارجي.
كانت انتفاضة نظيفة حضارية تحمل كل سمات التحضر والتقدم وتبشر بجيل جديد، قوي واعٍ متحضر وصاحب قضية، شباب جديد بوسائط جديدة، سمى نفسه بشباب الفيسبوك.
تقابل الشباب مع بعضهم البعض دون أن يعرفوا وجوه بعضهم
البعض ولكن تجمعهم القضية والهدف، استطاع هؤلاء الشباب بصمود مهذب وشعارات محددة أن يحصل على مكاسب نادي بها رموز الأمة عشرات السنين ولم يتمكنوا من زحزحة النظام عن صلفه وقوته وتوجهاته وخططه وترتيباته وطموحاته التي لا تحد..
وأنتم تريدون والنظام يريد وهو القادر لعشرات السنين
وهذه القدرة مكنت لاستشراء الفساد بصورة يعجز الشيطان عن القيام بها ولكن استطاعها النظام وأعوانه؛ استطاع تفكيك منشآت البلد وبيعها خردة لتجار الخردة، استطاع أن يحمي سارقي المليارات من البنوك والهرب بها خارج البلاد، استطاع أن يهب أراضي البلد بلا مقابل لأعوانه يثرون من ورائها ثراء فاحشا ينفقونه على المغنيات والراقصات، وابن البلد وصاحب الحق يتدور جوعا وبحثا عن مسكن آمن لا يجد ثمنه، استطاع أن يحمي مستورد الغذاء المسرطن ومنتهي الصلاحية، فامتلأت المصحات بمرضى السرطان والفشل الكلوى، والعلاج فقط القادرين، استطاع أن يحمي قاتل الألاف في مياه البحر، فيعطيه الفرصة للهرب، ويصنف جريمته بالجنحة، استطاع أن يمد عدوه وعدونا بموارد البلد فيتقوى بها علينا ويبارك همجيته على ابن العم، استطاع أن يذل كل فآت الشعب فلم نجد فئة لا تحتج وتقف معتصمة مطالبة بحقوقها، فاحتج الأطباء والمحامون، والصحفيون، وعمال المصانع، وحتى العجزة وذوي الاحتياجات الخاصة احتجوا وافترشوا الرصيف المواجه لمجلسي الشعب والشورى.
كل هذا الاحتقان تراكم وكبر بكثرة السنين وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير بتزوير انتخابات مجلس الشعب الأخيرة والتي كانت فجة ومفضوحة؛ فهذا النظام من سماته الفعل المشين عيني عينك.
وفشلت كل وسائل القمع من قطع الاتصالات أو فرض حذر التجول
أو التصريح للشرطة بالاعتداء على المتظاهرين في وقف مسيرة الشباب والتمسك بمطالبهم..
هذه الانتفاضة الحضارية الشبابية حققت بعض المكاسب وليست كلها، لكنها هزت عرش وأثارت حنق المنتزع منهم هذه المكاسب، فلم يقبل النظام وأعوانه أن يحرم من هذه المكاسب وأن تغل يده وأن تجهض طموحاته، فلم يقبل الرئيس أن يخرج من السلطة دون أن يسلمها لابنه وهو الذي رتب لها بمساعدة شلة المنتفعين لسنوات طوال، ولم تقبل شلة المنتفين أن تحرم من الكعكة وكأنهم لم يشبعوا بعد، فانقلبوا كالغيلان الفاتكة، والوحوش الكاسرة على خيرة الشباب بحرب خسيسة مستعنين بالخارجين عن القانون، والبلطجية والمرتزقة.. وهؤلاء ليسوا بأغراب عن النظام؛ فهم أعوانه في قمع المظاهرات، وفض الاشتباكات، وتزوير الانتخابات، والهتاف باسم الطاغية.
استعانوا بالبلطجية لفض الاعتصام بالقوة وهو الذي كان في طريقه لأن ينفض سلميا كما بدأ سلميا، أمدوهم بالأسلحة البيضاء، وزجاجات الحرائق، والمساندة الحقيرة، دون خشية من إعلام ينقل الحدث لحظة بلحظة، ويسجله التاريخ حيا صادقا موثقا.. ولا وازع من ضمير، فليس لهم قلوب البشر، ولا رحمة الانسان، ولا عقل الحكيم. وكأن النظام القاهر قد وفر ذاخرته وعدته وهجمته ليصبها في صدر ابنه بدلا من عدوه.
استطاع النظام الفاشي أن يقتل فرحتنا بأجيالنا القادمة، وأن يضر نفسه ويلوث ما تبقى من سمعته، وما منحه من تنازلات هزيلة استطاع بها أن يرسم بطولة زائفة، فسقطت ورقة التوت وعجل برحيله.
وتشكلت البطولة الحقيقية لهؤلاء الشباب غير المسلح الذي سقط منه آلاف الجرحى والقتلى، رافضين ترك مواقعهم واصرارهم على مطالبهم، فهم أصحاب قضية عامة لا مصالح خاصة وأدركوا أن للحرية ثمن هى دماؤهم،
ليس أمامنا غير التوجه الى الله ليزيح هذا الكابوس، ويطلع النهار.
هناك تعليق واحد:
نعم والمخفي اعظم !!!
شكرا سيدتي لغيرتكم ووطنيتكم الرائعة !!!!!
وفقكم الله وحمى مصر وحوزة الاسلام في كل مكان وزمان ...
إرسال تعليق